Monday, 11 April 2011

عظة بمناسبة الاحد الرابع من الصوم



ببركة من راعي كنيسة القديسة أولغا، وبطلب منه، ألقى اللاّهوتي روني بوسابا، يوم أمس، الأحد3/ 4/ 2011، عظة بمناسبة أحد القديس يوحنّا السلمي معلم الفضيلة، وصاحب كتاب"سلم الفضائل". حيث قال:
"يا إخوة، آحاد الصوم ليست أعياداً للأشخاص المذكورين بل تذكارات. فنحن اليومَ لا نعيّد لميلاد يوحنّا السلمي أو لموته، بل نستحضره في هذه الرحلة الصياميّة مرشداً ومشددا. نقف معه ونتأمّل حياته ونقرأ في كتابه المدعوّ "السُلَّم". فتذكاره إذاً بمثابة واحة لنا في صحراء الجهاد الصياميّ. (بالمناسبة عيده في الكنيسة هو في الثلاثين من آذار)
يأتي تذكاره بعد أحد السجود للصليب- الذي وُضِع في نصف الصيام لئلا ننسى أن الصليب هو ممرُّنا الوحيد إلى القيامة- يأتي تذكاره إذاً مكمّلاً للمسيرة الرعائيّة التي خطّتها الكنيسة تدريجياً لتقودنا الى الفصح. وتقولُ لنا من خلال ذلك: انظروا أمامكم سلم الجهاد، حاولوا ارتقاءه، هو "سُلَّم مائل وَسَطَ العاصِفَة"- كما يقول محمود درويش في ديوان حالة حصار- أي هو سلّم خطير من الأساس، ويحتاج تسلُّقُه إلى فضيلة التمييز لحفظ التوازن، فلا يهوي بنا السلم ولا نتدحرج نحن على درجاته بعد مشقّة الصعود.
كتاب يوحنّا، المدعوّ كما قلنا، "السلّم" يلفت الانتباه من نواحٍ كثيرة. فهو يُقسَم إلى ثلاثين فصلاً، لا تتكلّم كلُّها على الفضائل بشكل مباشر. من بين الفصول، أي درجات السلم، نجد مثلاً عدداً من الرذائل، كرذيلة الكذب وهي الفصل الثاني عشر ورذيلة حبّ المال وهي الفصل السادس عشر وغيرهما من الرذائل الكثيرة. ماذا يعني هذا؟ يعني أنّ يوحنّا إذ يعلّمنا تمييزَ الرذيلة يقودنا تلقائياً إلى الفضيلة. فحين يتكلّم السلمي على الكذب نفهم تلقائياً ما هي فضيلة الصدق، فنحاول أن لا نكون كذّابين وهذا صعب- وقد تكون رذيلة الكذب كثيرة الشيوع إن نظرنا إلى أنفسنا.
أمّا وقد أتينا على ذكر الفضائل والرذائل، فلنتفكّر قليلاً في موقعها في حياتنا المسيحيّة. في زمن الصوم نُكثِر الكلام عادةً على تنمية الفضيلة فينا ونبذ الرذيلة. ولكن لماذا نقوم بذلك؟ ما الغاية؟
ما دام هدف المسيحيّ الوحيد هو الاتّحاد بالمسيح، فهذا يعني أنّ تنمية الفضيلة ليست هدفاً، وبالتالي هي وسيلة في تحقيق الهدف. ينتج عن هذا أنّ الفضيلة بحدّ ذاتها لا تجعل الإنسان مسيحيّاً. فكلّ الديانات تدعو إلى الفضيلة وكثير من المذاهب الفلسفيّة تنادي بالفضيلة. لكن متى اقترنت الفضيلة بالاتّحاد بالله تصبح ذات معنى أعمق. لا بدّ أنّنا كلّنا نتذكّر القول الشهير إنّ "الشيطان يصوم" أيضاً- فهو لا يأكل مُطلَقاً- فهل صومُه فضيلة؟ هذا الكلام يقودنا إلى أنّ الفضيلة في المسيحيّة مساحةُ حرّيّة. يعني أنّ المسيحيّ لا يعمل الفضيلة آليّاًً، وبلا تفكير. بل هو مدعوّ أن يراقب نموّ نفسه في الفضيلة بما ينتاسب ودُنوَّه من الغاية الوحيدة، أعني الاتّحاد بالله- وما عدا ذلك رذيلة. ولذلك لا يُطلَب من أحد أن يشابه غيره ويقلّده في عيش الفضائل، بل أن يعيش وفق ما يناسبه هو. قد تتساءلون وما هو الاتّحاد بالله؟ هو بكلّ بساطة المناولة! هذا هو الاتّحاد بالله. لا يأتي بحبس الأنفاس لثواني ودقائق كما تعلّم الفلسفات الآسيويّة، ولا يأتي بتصدُّر المجالس كما كان يفعل الفرّيسيّون. هو لنا المناولة والمناولة والمناولة.
سلم يوحنا ختاماً يا إخوة، هو بكلمة أخرى صليب. نصعد عليه لتُدقَّ في يدينا المسامير. ويَطعنَ جنبَنا الشرير، أيّ شرير. إن ثبتنا قُمنا. وإلاّ هوينا مع الساقطين. لذلك أرجو أن نتحلّى بصبر أيّوب ونكونَ سُلَّميّين. مكافأة أيّوب لم تتأخَّر، فقد نالها بعد طول صبر. ونحن لنا مكافأتنا كذلك: فالفصح دنا، وفرح القيامة سيُبهِجُ قلوبَنا!".
نقلاً عن مدوّنة الصديق اللاهوتي والموثّق التاريخي معتصم تقلا

Sunday, 10 April 2011

الأحد الخامس من الصوم: عظة للاهوتي معتصم تقلا

صباح اليوم، في كنيسة القدّيسة أولغا في أثينا، ألقى العظة الصديق اللاهوتيّ والموثّق التاريخيّ معتصم تقلا، وذلك بناء على طلب كاهن الرعيّة الأب بندلايمون كفوري. وكانت التوبة محور العظة التي نوردها أدناه.

هذا الأحدُ الخامس من آحاد الصوم، هو أحدُ القدّيسة مريمَ المصريّة. حيث اتّخذت الكنيسةُ، قصّتها كرمزٍ للتوبة. إذ قد صارت مريمُ المصريّةُ علماً من أعلام التوبة والقداسة بعد أن كانت رمزاً للعهر والفجور. لِذا، دُعيَ الأحدُ الخامسُ من آحاد الصوم بأحدِ التوبة. وهدفُ الكنيسةِ من ذلكَ، تعليمُنا أنّ التوبة بمقدرةِ كُلِّ إنسانٍ، مهما عظُمت خطاياهُ، وفاضت آثامُهُ. وأنَّ التوبة لا زمن لها، فزمنُها يبدأُ برجوع الإنسان إلى الله، كما رجِع الإبن الضال إلى أبيه، بحسب ما يعلمنا

الأنجيل المقدّس. فما هي التوبة إذاً؟ وعن ماذا نتوب؟ ولماذا نتوب؟

الحقيقة يا أحبّاء أننا نعيش في عالمٍ يسود فيه حب السلطةِ والمجد، حبُّ المالِ وتَبَوُّؤُ المجالس، حب الأنا و فيض الكراهية. هذا العالم، هو عالم السقوط، حيث العيش في غربةٍ، بعيداً عن الحضرة الإلهيّة. هذا العالم، صار لنا، بعد الخطيئة الجديّة، خطيئة آدم وحواء، حيث قبلَها- أي قبل الخطيئة الجديّة- كان الأنسان يعيش في الفردوس الإلهي، حيث التواضع، المحبة، العفة والطهارة، السلام، والفرح الإلهي. هذا الفردوس الإلهي، خسره الإنسان، بمعصيته للمشيئة الإلهيّة.

لكن المحبة الإلهيّة لم تشأ هلاك الإنسان، فمنّ الله علينا بنعمة التوبة، وهي السعي الجاد في الابتعاد عن كل رذائل هذا العالم: الزنى والفحشاء، البغض والكراهية، شبقُ الأنا، وعشق المجد الباطل. التوبة هي طريقنا الوحيد نحو الملكوت الإلهي، الملكوت الذي لايزول، السعادة الأبديّة التي لا يعقبها زوال، كالذي يعقب حياتنا الأرضيّة. فمن يتذكّر الموت يا أحباء يدرك أن عالمنا هذا عالم وقتيّ، وأن كلّ ما فيه هو وقتيّ وينتهي في لحظةٍ ما، في طرفة عين، في وقتٍ لا نعلم متى يطلب منا الرحيل، دون أن نأخذ معنا شيئا. فلو نظرنا وتأملنا القبر قليلاً، هذا المكان الذي يساوي السيّد مع العبد، القوي مع الضعيف، الغني مع الفقير، هذا المكان الذي يبيّن لنا وحشيّة التغرّب عن الله، عندما نصبح جميعنا مأكلا لدود الجوف، سنعرف حينها أننا نركض وراء سراب هذا العالم الماديّ. هذا، ما خبِرَه وعرِفَه الابن الضالّ فقال: أتوب وأرجع إلى أبي...ولمّا عاد إلى أبيه، ألبسه الحلّة البيضاء، وجعل خاتماً في إصبعه، وذبح له العِجلَ المثمّن. فما الحلّة البيضاء إلاّ نور السعادة الإلهيّة وما الخاتم إلاّ رمز سيادة البنوّة التي لا تزول، وما العجل المثمّن إلاّ عدم الجوع، فالخبز يصبح الفرح السماويّ.

فالحقيقة يا أحباء، ما ينقصنا هو العودة إلى الحضرة الإلهيّة، كما فعل الابن الضال، كي نتنعّم بالفرح الإلهي، كأبناء حقيقيّن لله، وهذا هو هدف التوبة، الحصول على الخلاص من لدن الله، ولا يحصل هذا بترداد الصلوات أو حفظها، بل بالعمل الدؤوب على ضبط شهواتنا، فكرياً وجسديّاً مقرنين كل أعمالِنا بالصوم والصلاة، فيتحقّق فعل التوبة فينا. وتصبح توبتُنا الطريق المؤدية بنا نحو الخلاص. وما الطريق للخلاص إلاّ تدمير الخطيئة، وتهشيم جوانح الأهواء. فكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: "التوبة هي الدواء الذي يدمر الخطيئة. انها عطية سماوية".

"التوبة تفتح ابواب السماء تأخذ الانسان الى الفردوس تتجاوز الشيطان وأعماله".

لذا دعونا يا أحباء نسلك جميعا طريق التوبة هذا، دون ان نقول قد تأخرنا فكلّنا مدعوّون إلى التوبة وفي أي وقت. نعمة ربنا يسوع المسيح فَلْتحفَظْنا جميعا سالمين من حبائك الشرير، آمين.