
"غـداً يفـد إليكم الموظف الجديـد"
تراقصت بسمة على شفاه "أميـرة" حيـن نطق مديـرهـا هذه الكلمات .. فقد كانت على علم مسبق بوفود موظف جديد إلى إدارتهم .. فبحكم وظيفتها في قسم شؤون الموظفيـن بالشركـة .. فإنها كانت قد اتطلعت على جميع الطلبات المقدمـة لشغل وظيفـة مدير الحسابات في الشركـة .. ومن بين الطلبات العديدة المقدمة .. رأت ذلك الاسم الذي طالما عشقتـه .. وبات فارس أحلامهـا لمدة لا تقل عن ال 5 سنوات .. فهي لا تذكـر تحديدا متى .. كيف .. أو أيـن عشقـت ذاك الوجـه الأسمر .. الطويـل .. حـاد القسمات .. عريض الجبهـة .. خشن الشعر قصيره .. ذو العينين السوداوين المختبئتين تحت حاجبيـن كثيفين يحتلان نصف تلك الجبهـة العريضـة !! وذاك الأنف المدبب .. المرفوع دائما للأعلى دليل على الاعتزاز بالنفس .. وتلك الشفاه الغليظة .. التي ما تلبث أنا أن تكشف عن صف من الاسنان الغيـر متناسقة و الغيـر منفرة أيضاً ! إنـه معيد مادة الرياضيـات التي طالما كرهتها طوال سنون المدرسة الطوال .. وحيـن وقع بصرها عليـه لأول مرة .. عشقت الرياضيات عشقـا حتى الثمالة !!
" أترك كلية العلوم إلى كلية التجارة هربا من الرياضيات .. فأجدها أساسية هنا أيضا !! " كانت تلك كلمات أميرة وهي تنقل جدول محاضراتها بحنق واضح !
"أنـا معيـد الرياضيـات .. سأستمر معكم لنهايـة العـام .. و قـد أستمر لأعوام ! "
"هاهي الرياضيات بدأت بخطوات الحـل" همست لنفسها على استحياء.4 أعوام متصـلة .. و "أميـرة" تكاد لا تدرس إلا الرياضيـات ! تفوقت فيهـا و لفتت انتباه معيدهـا بذكائها و أسئلتها الكثيرة التي لا تنتهي ! ما أن يلج بساقيه الطويلتين قاعة الدرس .. حتى تدق نبضات قلبها على أوتاره الملهوفة .. و تظل تتابع قامته الطويلـة .. كتفاه العريضتين .. غير مبالية بذلك "التكور" البارز عند معدتـه ! فهي مؤمنة أنه دليل .. عــز ّ !!
4 أعوام و " أميـرة" لا تملّ معيدهـا .. و لا الرياضيـات !
"سبحان مغير الأحوال" كان هذا صوت أم "أميرة" !!
"تغير شكله كثيرا" همست لنفسها حين رأت اسمه و صورته المرفقة مع سيرته الذاتية .. أرادت الاحتفاظ بالصورة .. "زميلات العمـل لا يرحمـن!"
"3 خطبات سابقات ولم أجد من يشبهه ولو شكلا!" .. "أعيبي ..؟ أعيب الزمـن ؟ أو يكون عيبه هو ؟؟" سافر إلى الخليج وظنت أنه غير عائد بعد أن رفضت رسالة الماجستير خاصته أكثر من مرة.
عادت إلى منزلها .. تكاد خطواتها ترقص على دقات ذلك القلب المشتاق .. استقلت الحافلة كعادتها اليومية .. لكن بسعادة غير مسبوقة .. فغدا يكون اللقاء .. " أويعرفني؟" .. لم تتوجه إلى منزلها .. بل إلى أحد محلات تصفيف الشعر .. لتصفف شعرها الأسود الناعم .. و تنمق حاجبيها الطويلين كشعرها ! وضعت قدميها الصغيرتين في ذلك الجهاز الغريب الذي يدغدغها باهتزازاته .. فتضحك ملء فيها .. مبرزة أسنانا بيضاء .. مصطفة برقة .. محددة بشفاه رفيعة ورديـة .. يعلوها أنف صغير ..دائما ما يتساءل ناظروه : "كيف تتنفس منه !!"
"الأحمـر إذا تفضلت" .. أجابت الفتاة الصغيرة المعنية بتهذيب أظافرها و طلائها .. عادت إلى منزلها حاملة عدة أكياس بين يديها .. "ثوب جديد .. ضيق قليلا .. لكنه يظهر قوامي الرشيق .. البـضّ" .. كانت تعلم كم هي جميلة وجذابـة .. "حـذاء عالي الكعب!" نظرا لطولها الفارع .. فهي لم تعتد أن ترتدي هذه الأحذيـة .. "لكنه يفوقني طولاً" ..
توجهت لجهاز التسجيل و أدارت اسطوانة لأم كلثوم .. و توجهت نحو فراشها و هي تدندن : "أغـدا ألقاك؟"
أخيرا أشرقت شمس الصباح بعد ليلة ليلاء ! ارتدت ثوبها الجديد .. وحذاءها العالي .. واستقلت سيارة أجرة حفاظا على مظهرها من غبار الحافلات العامـة !
"أحمد السيد عبداللطيف .. اليوم أراه" .. حدثت نفسها وهي تلقي آخر نظرة على مرآتها الصغيرة.
"مدحـت عبدالباقي" .. " زميلكم الجديـد".
تمـّـت














