لازلت أذكر مقدار السعاده التى إنتابتنى وقت إغتيال الرئيس السادات, كواحد من ملايين المصريين الذين شعروا بالرغبه فى إنهاء النظام القائم وقتها.
وأذكر الإرتياح الشديد الذى إنتاب الناس لرؤية رئيس جديد بدا أكثر نقاءا وصدقا وقربا من مشاعر الجماهير عن سلفه.
صوره أبعد ما تكون عن تصور أيا من أراد التنبؤ بما سيحدث لاحقا ,مهما بلغ خياله من جموح.
كانت السنوات الثلاثين الماضيه كافيه كى ينتاب الجميع هذه الرغبة الخفيه فى إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء, وتمنى زوال حادث إغتيال السادات.
ومن المذهل أن المجرمين المدانين فى عملية الإغتيال أنفسهم أقروا بندمهم عن هذه العمليه التى أتت بحسنى مبارك إلى الحكم. أما البعض الأخر فبدأ فى إثارة الأقاويل حول إشتراك مبارك فى عملية الإغتيال نفسها.
أقاويل أكاد أجزم من الأن بعبثها وبعدها عن أى إمكانية للصحه. ولا يعود ذلك إلى عدم واقعيها, أو إستحالة إفتراض حدوثها . لكن السبب فى رأيى ليس إلا شخصية حسنى مبارك نفسه.
هذا الرجل الذى أمضى ثلاثين عاما على كرسى الحكم فى مصر دون أن يتخذ ولو قرارا واحدا يشتم به شبهة مغامره, لا يمكنه الإقدام على مثل هذا العمل.
هذا الرجل الذى لم يضبط ولو لمره واحده متلبسا بالتفكير أو الإبداع أو التخيل, لا يمكنه أن يشارك فى مثل هذه العمليه التى لو صحت لكانت إحدى آيات الخيال والإبداع.
هذا الرجل الذى آثر السلامه وإكتناز المال والعلو بمصلحة عائلته الصغيره فوق كل إعتبار, لم يكن ليشارك فى عملية إغتيال, يكون الهدف فيها جالسا على المقعد الملاصق له.
لقد كتب الأستاذ جهاد الخازن فى جريدة الحياه أثناء الثوره المصريه متخوفا مما ستؤول إليه الأمور, وحجته أنه على مدار الخمسين أو الستين عاما الماضيه, التى بدا فيها متفائلا بكل تغيير فى العالم العربى, أتت الرياح دائما بما لا تشتهى السفن, وأنتهى الأمر بحال أسوء مما سبق.
ولكن هل كان الوضع أثناء حكم السادات أفضل منه حقيقة أثناء حكم مبارك؟
من وجهة نظرى أن هذا ليس صحيحا. مبارك هو إمتداد طبيعى ومنطقى لطريقة حكم أنور السادات.
إن ما يجب أن نعمل عليه جميعا , هو ضروره تغيير النظام برمته وإستبداله بنظام مؤسساتى متكامل يقوم على أسس الدوله المدنيه الحديثه, وتداول السلطه طبقا للصراع السلمى للأفكار عبر مؤسسات حزبيه وإجتماعيه تضمن التمثيل الكامل لكل الرؤى والأفكار فى المجتمع.
هذه هى الأسس التى ينبغى أن نسعى إليها دون وضع كبير أهميه للأسماء والأشخاص, بل لما يمثله هؤلاء من توجهات ومصالح.
إن ما يجب أن يدركه الجميع أننا لسنا ولا ينبغى لنا أن نكون بصدد تغيير وجوه وأشخاص.
لقد أراد الشعب إسقاط النظام, وهذا هو المحك الحقيقى لإثبات صدقية نجاح هذه الثوره من عدمه. هذا النجاح الذى يقتضى بناء أسس لدوله مخالفه تخضع لنظم وأساليب مغايره تماما لجمهورية 1954 التى أسقطتها تورة
الخامس والعشرين من يناير.
لقد بدا واضحا مؤخرا رغبة قيادات جماعة الإخوان السلمين فى إختطاف الثوره المصريه , وكالعاده وقفت هذه القيادات فى الخندق المعادى لجميع القوى والجماعات المنظمه والملهمه لهذه الثوره.
بل وهاهى الأخبار تتواتر من داخل الجماعة نفسها عن إتفاقات سريه جرت مع عمر سليمان رجل حسنى مبارك الأمين, للإلتفاف حول مطالب الثوره مقابل مكاسب ذاتيه نفعيه.
ناهيك عن المهاترات وتزييف الوعى وتدليس الحقائق, أثناء عملية الإستفتاء الأخيره, فى إطار حلف غير مقدس بينهم وبين جماعات السلفيين الوافده إلينا عبر صحارى الجزيره العربيه.
ممارسات قابله للتكرار وبقوه فى الإنتخابات النيابه القادمه.
وبإسم الحريه , هاهم أعداء الحريه وسافكى الدماء من أعضاء جماعات الجهاد والجماعة الإسلاميه يبشروننا بأحزاب ومرشحى رئاسه قادمين, بل ويتسابق لأخذ آرائهم الحكيمه عباقرة الإعلام فى بلادنا.
إنه من قبيل السذاجة السياسيه أن يعتقد البعض أن الثورة تعنى عدم إمكانية مهاجمة أى جماعات تم إضطهادها من قبل النظام السابق. هذا منطق غير واقعى, بل ويعطى غطاءا أخلاقيا لإدعاءات الغرب أن إضطهاد اليهود وترويعهم من قبل النازى, تعفى الصهاينة من أى إنتقاد لتصرفاتهم الإجراميه.
العدل وسيادة القواعد القانونيه, هو أساس أى حضارة حقيقيه, أما المعاناه من الإضطهاد فهى لا تسبغ – فى حد ذاتها- مشروعيه على أى أفكار أونظريات.
لذا فالإعتقاد بأنه لا ينبغى الهجوم على جماعة "الإخوان المسلمين", أو من يسمون أنفسهم بالسلفيين أو جماعات الإرهاب والقتل من "الجهاد" إلى "الجماعه الإسلاميه", لهو إعتقاد يجافى المنطق والعقل والحقيقه معا.
إن هؤلاء الذين يخادعون الناس بإيهامهم أنهم يمثلون إرادة الله ودينه على الأرض, إنما يقترفون بإخلاص مقيت إثم محاولة تزييف إرادة الشعب وتغييب وعيه.
وهؤلاء الذين إقترفوا أفعالا إجراميه وروعوا الآمنين من الشعب المصرى لعشرات السنين, بل وأقدموا على إغتيال المخالفين لهم فى الرأى, لا يمكنهم بهذه البساطه المطالبة بإعتبارهم جزءا من العمليه السياسيه والحزبيه فى مصرنا المأموله.
إن من يدرس التاريخ المصرى الحديث فى القرن العشرين وحتى الأن, سيكتشف بسهوله أن هناك مجموعتين تم إضطهادهم بشكل منهجى ومنظم من قبل كافة نظم الحكم خلال هذه الفتره. الشيوعيون, بكافة إتجاهاتهم و جماعة الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام الراديكالى بشكل عام.
ومن المفارقات أن نظم الحكم التى قامت على أفكار وفلسفات هاتين المجموعتين فى كافة أنحاء العالم, هى أكثر نظم الحكم فى العالم قمعا وإنغلاقا وتنكيلا بالمعارضين. وليست ذكريات نظم حكم العالم الشيوعى ببعيده, كما أنه لا يمكن إعتبار ما رأيناه فى إيران أو أفغانستان أو السودان من مفاخر حرية الرأى والفكر.
إن الثوره المصريه لا تواجه فقط فلول وقوى النظام السابق فى معركة شرسه لمواجهة الثوره المضاده, بل وتخوض معركة لا تقل عنها شراسه فى مواجهة قوى الظلام التى تريد تزييف إرادة الملايين وإعادة صفهم كعبيد فى متاجره رخيصه بالدين.
لقد أزعجتنى مقولة الأستاذ جهاد الخازن السابقه, حتى أننى رددت عليه حينها بأن يدعوا أن يخيب الله ظنه هذه المره , وأن تغير الثوره المصريه وجه البلاد بل والمنطقه كلها إلى آفاق الحريه والكرامه والعزه.
وحتى يتحقق ذلك, على الجميع أن يتحصن برؤيه ثاقبه تعبربالثوره المصريه عبر طريق وعرتحفه المخاطر, ملىء بالصعاب والعقبات و يحوطه الأعداء من كل جانب
من ظهر منهم ومن خفى....