(1)
RBM
الإدارة بالنتائج: استراتيجية للإدارة تقوم على وضع أهداف محددة منذ البدء وتصميم الخطط واستخدام كل المصادر لأجل تحقيقها في إطار زمني محدد سلفًا.
اعترضت على استخدامها في برامج بمجال التنمية الإنسانية المتأثر -من وجهة نظري- في كل أطروحاته وافتراضاته وحلوله باتجاهات فكرية وقوالب يمكن دحضها، أحيانًا دون انتظار أدلة قصورها على أرض الواقع بالتطبيق.
لكنها في نفس الوقت استراتيجية ذات أدوات نافعة ومنجزة في الأعمال التجارية والاستثمارية والمشروعات قصيرة المدى، وتساعد على المتابعة والتقييم الموضوعيين وبالتالي التطوير.
طيب هل فيه حاجة اسمها تربية بالنتائج؟
لأ. ^_^
لكني اخترته تعبيرًا عن رؤيتي لأسلوب تنشئة وتربية سائد الآن.
تقوم هذه التربية على نتائج ظاهرة، يمكن قياسها.. مثل منظومة التعليم وهيكل الزواج الحالي.
ففي هيكل الزواج الحالي لدينا:
- اتفاق العائلتين على المادة بغض النظر عن مناسبة ذلك لمقتضى الحال،
- الحمل،
- مؤشرات نمو الجنين الجسدية
- ثم مؤشرات نمو الطفل الحركي والمهارات اللغوية....إلخ،
- اختيار المدارس،
- نتائج التحصيل الدراسي،
- الآداء الرياضي والنشاطي
- الآداء (الديني) في بعض الأسر (يحفظ كم سورة)،
- ثم الترقي في السلم الوظيفي،
- عدد ناتج الزواج،
يبدو ذلك هو المقياس ومحصلة العمر في حوارات كبار السن مع بعضهم في الاتصالات والتجمعات سواء العائلية أو العامة أثناء انتظار دورهم لدى الطبيب. ولن أحكي عن الزهو البيّن أو الفخر المُبطِن لهذه الحكايات اليومية.
يمكنني القول إن حياتنا صارت مجموعة من النتائج المحسوسة والمرئية والمعدودة.
ويُقاس نجاحها بكثرة النتائج وتنوعها وتطابقها مع الخطط التي تمليها التقاليد.
طيب ما الإشكالية في ذلك؟
دعنا نمرّ على قصة أولا.
(2)
في سورة الكهف يقصّ الله علينا خبرَ حوار بين رجلين أنعم على أحدهما بجنتين من خير الثمار والزرع والعنب والنخل ويمر خلالهما نهر..!! لا نعيم في الدنيا أكثر من ذلك. يحاور صاحبه متفاخرًا بأنه أكثر منه مالا وثمرًا وولدًا.
سأركز في القصة على ما رأيته في شخصية صاحب الجنتين:
- أنه نسي أن الله الذي أعطاه الجنتين.
- اقتصر نظره على نتائج الجنتين وهو ما دعاه للتفاخر أمام صاحبه و(مقارنته)
- ظن أنه مستحق لكل تلك النعم (أعز نفرًا)
- علت درجة استحقاقه بالجنتين وأكُلهما والنهر (دخل جنته وهو ظالم لنفسه)
- فظنّ أنها باقية (لن تبيد) وأنه يستحق ما هو أفضل منها.
- لاحظتُ أن التردي داخله مستمر عبر الحوار حتى وصل إلى أنه لم يعتبر النهاية الكبرى وهي مركزية الغيبيات التي لا تقاس.
- ومَن لا يعتبرها، لا يرى يومه الآخر، ولا يرى موته وشيك التحقق. نتأمل تعبيره: "وما أظن الساعة قائمة (ولئن) رُددت إلى ربي".....!!د
(3)
نعود لإشكالية التربية والحياة بالنتائج.. هل رأيتم الرابط؟
أوجه التشابه بيننا وبين صاحب الجنتين جلية لدرجة أنني أجد صعوبة في عرضها مفصلة خشية التكرار.
فقد اعتدنا عطايا الله حتى لم نعد نشهدها صدقًا بسبب التربية والنظر بالنتائج وعلو استحقاق الإنسان الحديث ونسبة نتائج حياته لأعماله.
نشكر الله نعم.. ونحمده نعم في الوقفات.
لكن ننسب نتيجة امتحان الأولاد لمتابعتنا ومذاكرتهم، والشقة التي اشتريناها لتحويشة العمر، والمنصب الذي وصلت إليه لشهادتي من إحدى الجامعات الأوروبية.... أمثلة قليلة من ممارسات يومية صغيرة تجذرت حتى صارت طبيعة الأمور.
وحتى صار النظر في النفس عزيزًا محصورًا ويحتاج لمناسبات كالوعظ النخبوي الأجوف أحيانا الذي يؤدي إلى (تأثر مؤقت) ثم نعود لسالفنا. واعتدنا الانشغال بالحصول على ما نريد -للتحقق- حتى غاب عنا يومنا الآخر، واليوم الآخر فلا نشهده إلا نادرًا في موت حبيب.
(4)
لما رزقني الله هذا الشوف رزقني آيات دالّة عليه.. منها في سورة يونس، انظروا للرابط بين الاطمئنان للحياة والارتكان إليها وعدم حضور شهود فناءها ولقاء الله في القلب في قول الله تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7)
(5)
تجديد الإيمان باليوم الآخر، وممارسته في تفاصيل الحياة اليومية من الركائز التي ستحمينا وتحمي أولادنا من حال صاحب الجنتين والتربية بالنتائج.
رحمنا الله ووهبنا شجاعة النظر في أنفسنا واستخراج شوائبها.. ورزقنا التصديق على هذا بالفعل الدءوب اللازم... لأجل النجاة.



