علاني الصدأ وتمكن مني حتى خفت على نفسي من التآكل... لم أرَ البحر منذ 4 أعوام هذا إذا لم أحسب اليوم الجميل الذي قضيته مع أصحابي على رأس سدر السنة الماضية...
...
بابا,, عايزين نقضي لنا كم يوم في اسكندرية ونعمل لنا تغيير...
...ما هي البلد أهي، أقرب وتعملي تغيير حلو وتحضري القطفة الأولى للعسل.. ويضحك بابا لأنه يعرف أن الكلام لا يروق لي
يا بابا والله باتكلم بجد.. ايه رأيك؟وكانت سياسة "غلوش... غلوش" على الموضوع هي المتبعة من بابا تعقيباً على كلامي.
فقدت الأمل خصوصاً لما أتذكر أن أخواتي صبيان يعني براحتهم ويعني إنهم يقدروا في أي وقت يروحوا مع أصحابهم لأي مصيف.. بالإضافة إلى ما سبق، فثقافة التصييف –كما أسميها- ليست موجودة عندنا كأسرة..وذلك لأننا قضينا زمناً في مصايف جبلية جميلة في جبال عسير بالسعودية ولما كنا نأتي مصر لقضاء الإجازة الصيفية كنت أنا وأخواتي نستغرب من الناس التي تسافر.. فقد كانت مصر جميلة جداً في أعيينا ونحن نراها من فوق البرج
فوّضت أمري إلى الله ولم يمنعني تسليمي من الإحساس بغصة في نفسي وشيء من الأمل يراودني في أنني قد أري معشوقتي الاسكندرية قريباً.
وفي يوم من الأيام، اتصلت بي سمسم أو سماح أو جيرونيمو صاحبة
فسيفساء.. د
"دعاء، احنا مسافرين يوم الجمعة الصبح إلى جمصة وعايزاك معانا.. هنكون بنات بس.. أنا وإنتِ ودعاء أختي ومنى بنت خالتي وماما ونينة"دجاءت من عند ربنا.. حمدت الله وفرحت مع إني متأكدة إن بابا لن يوافق.. وصعبت عليّ نفسي التي فرحت مع انعدام الأمل!!د
وجاء يوم الأربعاء وفاتحت بابا في الموضوع.. ليس من باب المحاولة والأمل في إنه يوافق.. أبداً والله.. بل من باب الإخبار فقط لا غير.. وكانت المفاجأة الثانية إنه بعد ما كشر وفكر ونظر لي شذراً وجزراً وسألني كم سؤال عن أخلاق صاحبتي –التي هي سماح- وغير ذلك من الأسئلة... ووافق. كتمت فرحتي خوفاً من إنه يرجع في كلامه في أي لحظة خصوصاً وإنه كان مخاصمني بسبب تأخيري في المجلة.
ظللت قابضة على أنفاسي إلى أن وجدتني بدأت بحمد الله وعونه في تجهيز أغراض السفر يوم الخميس.. وسافرت صباح الجمعة بعد نوم ساعة واحدة... لكن سبحانك ياربي.. كنت فايقة فوقاااان!!د
لم يكن هناك حجز في السوبرجيت في الوقت الذي نريده.. فاستأجرنا سيارة بيجو وركبتها والخوف راكبني لأني أخاف من منظرها وهي واقفة فما بالك لما أركبها وتسافر بي؟ لكن الرحلة كانت هايلة... بدأنا بالكلام والتعارف بيني وبين أسرة سماح التي لم تكن تعرفني ولا أعرفهم إلا من خلال الحكي العابر. لم أشعر بذلك الحاجز المتواجد بثقله دائما بين الغرباء أو بين القادمين الجدد.. طنط مامة سماح لم تتخلَ عن دور الأم الحنون مع أنني كنت أرى أنها منا جداً ولا يوجد حاجز آخر يتواجد بصفة أخرى بين الكبار والصغار. و"نينية" جدة سماح عليها خفة دم ولحد الآن لم أستطع تخيل كيف كانت في العشرين من عمرها. أما البنات فحدث ولا حرج ((: د
الطريق جميييل جداً... عيني كانت تتنقل بين جانبيه لتلحق الجمال القروي هنا وهناك بين الخضرة المتفاوتة في درجتها حسب نوع الزرع، وبين النخل الذي يحكي تاريخ مجده الكريم بعزة وكبرياء رفيع، وبين تلال البصل التي تجاورها تلال أخرى من القش، وبين الجواميس التي كانت تسبح أو تستحم في ترعة، وبين ترعة أخرى كبيرة تراصت على ضفتيها النساء لغسل المواعين التي كانت تبرق كالمرآة.. وكان سؤالي المهم، وهل يأكلون فيها بعد ما يغسلنها في ماء الترعة؟! فكانت الإجابة الصادمة..
آه طبعاً..فعرفت لماذا تعتبر أمراض الباطنة من الأمراض المتوطنة في مصر!د
شدتني أسامي القرى ولم أستطع كبح رغبتي الجامحة في تدوين الأسامي (كفر شكر، كفر النصر، كفر الكرامة، أبو قصيبة، ميت ناجي، الصفين، زفتي، صهرجت ، بشلا، فيشنا، سنيطة، سلكا، نقيطة، منية سندوب، شرنقاش، الطويلة، كتامة، كفر الدبوسي، كفر طرشي...) ولم أكتفِ بالتدوين أثناء انزلاق السيارة على الطريق، بل علا صوتي بمحاولات فاشلة لنطق الأسماء الغريبة بتشكيل مختلف مع استغراب مزعج عن سر وسبب تسمية البعض
لماذا يسمون قرية "زفتي"؟ وهل هي بالياء أم الألف اللينة؟ يعني ما الذي حدث فيها وكان "زفت" أو له علاقة بالزفت.. يمكن تكون أول قرية اتزفتت في الدقهلية "اتسفلتت يعني"؟؟!! طيب، من أين جاءت كتامة.. أم أنها كانت "قتامة" وحصل خطأ في كتابتها فصارت "كتامة"؟ أم أنها "كتـّامة" من كتم، يكتم، فهو كتوم، وكتامة هي صيغة مبالغة أو صفة مشبههة؟؟ سأراجع دروس النحو
وهل لـ"فيشنا" علاقة بـ"الفايش" الذي يصنع في الصعيد؟! ومن هو "سندوب"؟ وهل "ًصهرجت" كلمة واحدة أم كلمتين؟
المفارقة أنني في وسط ذلك أرى كافتيريا اسمها "أركيديا"!! ومكتوبة خطأ
ولم يسلم أحد من العدوى بما فينا طنط.. إذ انخرط الجميع لوقت ما في محاولات النطق السليم
الجميل أنه مع السيمفونية البدائية التي كنت أراها في الخارج، كوّنا نحن البنات كورال خفيف الظل وبقدرة قادر تحولنا إلى محطات إذاعية منوعة. اللطيف إننا لم نكمل أغنية واحدة، وبسرعة وبانسجام عجيب كنا ننتقل بانسيابية لأغنية أخرى بعد أن تقاطع إحدانا الكورال وتقول:
وفاكرين صغيرة ع الحب؟؟؟ ويا عم يا بحار، قل لي الحكاية ايه... فتقاطعها أخرى لأ..
وأنّ أنّ أنّ.. إنّ إنّ إنّ..الشمس البرتقالي عليها ليّ سنة..
دعاء تقول: أنا بقى بموت في فيروز لما بتقول له "
تذكر آخر سهرة سهرتها عنا، تذكر كان فيه واحدة مضايق منها، هيدي أمي، تعتل همّي، منك إنتَ، ما إلا إنتَ.. كيفك؟ آل عم بيقولوا صار عندك ولاد، أنا والله كنت مفكرتك براة البلاد... بيبقى ع بالي أرجع أنا واياك، إنت حلالي أرجع أنا واياك، أنا وإنتَ، ما إلا إنتَ" نفسي أعيش الحالة دي"..قلت لها: يا ساتر يارب!! ونكمل غنا
تقافزنا بين نجاة، وسعاد حسني، وجدو عبده، وعفاف راضي، وفيروز، وشيرين، ووصلنا لمروان الخوري...
سماح تسألني: سمعتِ دواير؟لأ