سمعت عنها...د
دخلت وقرأتها.. "صوابع دفيانة أوي"، "الشيء الصعب جداً"، "دوسوا أكتر على جروحي"، "قلب البنت انخلع".د
دمعت عيناي لها.. غالباً لم أجد ما أعلق به
قابلتها بلا ترتيب أو تخطيط مسبق أو حتى توقع على الماسينجر.. لا تعرف عني سوى الكروان وأنا لا أعرف عنها سوى أن حياتها فسيفساء.د
دخلت معي بحميمية بهرتني
تبادلنا التحيات والأسئلة العامة التي هي ملك الجميع. كأنها تعرفني وكأنني أعرفها مع أن كلتانا لا تعرف..د
قلت لها: عرفت أنك تقرأيني مع أني لم أراكِ عندي
قالت لي: قرائتك تأخذني
أحببت أن أعرف رأيها في "كرواني".. قالت لي: محتاج صوته يكون عالي!!د
لم أفهم
قالت لي: أنتِ لغيرك ولستِ لنفسك
لم أتخيل بالفعل أنها تعرف!!د
استوضحت منها طالبة التأكد
قالت لي: أنتِ تعيشين لغيرك ولا تعيشين لنفسك
قابلتها أولاً في المجلة وسألني "محمد هشام" الذي عرفها أولاًعن انطباعي عنها ، قلت له: "غنية".. استفهم، فحكيت له أنه بداخلها الكثير، وأنها خصبة. في أول رؤية لنا، حكت لي عن حبيبها باسمه وأشياء منه. تقول إنها "تحب" بصدق يلجمك، بلا أقنعة، ولا مداراة ولا خوف.. يعفيك صدقها من أن تسألها كيف تستطيعين إعلان ذلك في الوقت الذي لا يجرؤ أحدهم على الإفصاح. بل يجعلك لا تفكر في ذلك أصلا فكأنها تعلن بوضوح أنه من "حقها" وليس من حق أي أحد أن يقول لماذا أو كيف أو أي علامة استفهام شبيهة.د
يوم الجمعة، تقابلنا في البرد، وذهبنا سويا لحفلة بهاء جاهين في ساقية الصاوي قبل الموعد المحدد بساعتين قطعناهما على ظهرالكلام والابتسامات، وقضيناهما في الحواديت مع النسكافيه الساخن.. عيناها تلمع بالحياة، وتنطق بالحب، وشيء آخر وهي تحكي ولا تستقر على شيء حتى سامعها. تتعلق بالسماء وتلتفت للقادمين والآتين وتعود إلى عيني التي تركز فيها وتستمع لها بكل دوائرها.د
حان الوقت وكان علينا أن ندخل، وكان عليّ أن أوسع نفسي أكثر لأستقبل المزيد من ذلك المزيج الذي هو خليط بين الفرحة المؤقتة والحزن الدفين، والبسمة الرائقة والدمعة الأروق. كان عليّ أن أمهدني لأستقبل المزيد مما لا أعلمه وأعلمه وأخشاه من بهاء جاهين وشط بحوره. غنّوا، وقالوا، ومعهم شدا العود وبكيت حتى النحيب وضحكت حتى البكا.. مالت على كتفي فاحتويتها قدر ما يسمح به المكان والظرف وكان في إمكاني أن أفعل أكثر.د
بكل جوارحي ودمعاتي صفقت أنا، وهي صرخت "هوووه" تحية لهم.. وأنا لا أكاد أصدق أن العرض انتهى ولا أريده أن ينتهي وظللت واقفة مكاني لا أبرحه حتى سمعت المسرح يقول لي "تصبحي على خير، سأنام لأريح ظهري من ثقلهم وثقل حمولهم وحمولكم!!"..د
انتهى العرض،،، وانطلقنا لا نلوي على شيء سوى أننا، بطبيعة الحال، سنذهب لبيوتنا.. سألتها بدون اهتمام، "أنا عارفة آجي إزاي بس مااعرفش أروح إزاي".. قالت لي: "ياسلام، طيب هنعمل ايه؟" مرّ بجوارنا على مهل ميني باص لأحمد حلمي، قالت لي: نركبه ومن هناك نركب للجيزة... وتركناه يمضي... ومرّ آخر فتركناه يمضي لحال سبيله الذي هو سبيلنا
مشينا من الزمالك ومررنا "بالسرايا" و"علاء الدين" والنيل الذي كان برداناً، مثلي. كل مكان له معها حكاية، اشترت لي "باتيه" لم أعتذر لأني لا أجد فيّ نفس لأي طعام فأكلته لعله يمدني بالدفء مع المشي، مع حضورها، مع تلك السخونة الجوفاء التي اعترتني من التصفيق الحاد، مع رائحة الخميرة الطازجة المنبعثة من الفرن، مع رغبة فيّ أن أشعر به. حكت لي عن الفرن وأنها مرت به هي وحبيبها لما كان... ولما كانت، لكنهم اشتروا منه سميط.د
كانت أسمعها وألتقط منها حبل الكلام والإحساس الطويل. تصمت، فأقول لها فيمَ تفكرين فتحكي لي أو تقول إنها تستمع إليّ. كنا نمشي خطوات متقاربة، مررنا على كوبري قصر النيل ولايزال النيل برداناً حتى وهو في قصره ووسط خدمه وحشمه وبطانته، ولا تزال بداخلي رغبة دفينة للدفء ولأن يطول الوقت والليل فلا يمضيان.د
وصلنا للتحرير، أخبرتها أنني أعشق هذا المكان مع أن ذكرياتي معه لا تعتبر. وكما فعلنا مع كل ما يمشي على عجلات وينفع أن يوصلنا لبيوتنا ونحن نتمشى، فعلنا مع 3 مداخل للمترو في وسط البلد. مشينا في شارع طلعت حرب وأرتني مكاناً حبيباً إلى قلبها ثم عدنا إلى التحرير وقد وضعت العقارب إبرتها علينا فلابد من الفرار. قالت لي: "مش باحب الساعات، ومش باطيق أشيلها، يا سلاااام لما أكون بره كده وأسأل حد عن الساعة أو أبص في الموبايل وفجأة ألاقيها بقت 12 وإني لازم أروح البيت حالاً.. قلت لها: ما أقدرش أستغنى عنها، وأحس إن حاجة ناقصاني لو مش معايا.د
أصرت أن توصلني إلى رصيف خط الجيزة.. قلت لها: "يابنتي تذكرتك هتتحرق"، قالت لي: "عدّي بس، ماتخافيش أنا هاطلع م الناحية التانية" ودون أن تترك لي المجال وضعت تذكرتها ومرت بعد أن مررت أولاً. وقفنا على الرصيف لا لنتبادل التحيات والأشواق الكاذبة للقاء قريب والمجاملات الصفيح، بل لنكمل الكلام. وكل واحدة تحاول أن تلخص وتنهي ما بدأته مع أنه لا ينتهي. ولا تزال تلك الرغبة في أن لا يمضي الوقت ولا يمشي الليل ورغبة أخرى بألا يأتي المترو... سمعت صوته الهادر، لم أتزحزح ولم تترك يدي... حضنتها بكل ما بقي لي من قوى، ووقفت وانتظرتْ حتى ركبتُ، قلت لها: بالسلامة بقى!! قالت لي: طيب ماشي.. وظلت واقفة وأنا ألح عليها أن تمشي حتى قفل المترو أبوابه وتحرك.د

















