Gebran Tueni
This year, I’ve decided to wait till the end of the day, and copy-paste what others said about Gebran in his anniversary….
May your soul rest in peace……
اليـــــوم وغـــــداً
قبل أربع سنوات، كان عرس، ليس في قانا الجليل، بل في قلب بيروت، إنه عرس الشهادة. سقط جبران تويني شهيداً للوطن، لكل حبة تراب من أرضه، من جنوبه إلى شماله، مروراً بالمدينة الأحب إلى قلبه "ست الدنيا".
بعد هذه السنوات، تبدلت أمور كثيرة، وتبدل كثيرون، لكننا في "النهار" باقون على العهد، العهد الذي رسمه جبران الجد، وحدده وأعلى مدماكه غسان تويني، وشهد له بالحبر والدم جبران الحفيد، ومعه سمير قصير. باقون على العهد مع إطلالة كل نهار وكل صياح ديك معلناً الحقيقة، وهاتفاً لحرية لبنان وسيادته واستقلاله وكرامة بنيه.
نتذكرك اليوم، ونحن لا ننساك. نكرر قسمك الشهير ولو لم يقتنع به بعض أهل المنافع والأبواق، الساعين دوماً إلى الفتنة والتقسيم، أو إلى ابتلاع البلد، ونسف الصيغة والكيان.
عهدا جبران، لبنانك لبناننا، سنحافظ عليه، وستظل "النهار" لبنانية، عربية، مستقيمة الرأي، مؤمنة بأن الحق أقوى، والخير أفعل، وذكراك باقية، ولبنان أبدي.
"النهار
عِبَر في الذكرى
ها هي الذكرى تحل مجدداً بتاريخها الرسمي الذي يعرفه الجميع، فيما الذكرى لدينا تتجدد كل صباح ومساء. وهي تتمدد كل يوم في قلوب اللبنانيين الشرفاء الذين لا يستسلمون ولا يساومون، على رغم ما يشاهدون من سيناريوات لأفلام ومسلسلات مصطنعة تحاول ان ترسم واقعاً جديداً لا نرضاه في العمق، بل نرضخ له حتى لا يقال اننا نقف في وجه الوفاق الوطني أو نعطّله.
ها هم اليوم يفتشون عن مقعد وزاري أو نيابي أو وظيفة فئة أولى أو عاشرة، فيرضون الانقلاب على أنفسهم وعلى مواقفهم للأمس القريب، ويقنعون أنفسهم. تتحرك آلة الدعاية السياسية في دمشق وطهران، ويطلع صداها في بيروت، دفاعاً عن سوريا التي يعبّدون الطريق اليها، لتعود حضنهم وملجأهم وربما مركز قرارهم.
وتطلع وسائل اعلام لتدين "فتح الاسلام" وتبرئ النظام السوري مستبقة قرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ومتجاوزة القضاء اللبناني الذي يشعر في كثير من الاحيان، كأنه غير معني، بعدما سلّم أموره الى القضاء الدولي، وتعمل الأجهزة الأمنية في النسق ذاته، من دون ان تقدم لنا تحقيقاً واضحاً عن هوية "فتح الاسلام" وعن تأسيسها وعن الدعم الذي توافر لها وعن الغطاء السياسي الذي حرّك عملها، وماذا عن شاكر العبسي الذي كان سجيناً في سوريا قبل ان يطلق الى العمق اللبناني؟
لم يتطرّق البيان الحكومي الى حلول جذرية للملف الفلسطيني، رغم بوادر حلول لا نفهم طبيعتها، عادت لتنطلق مع "اللقاء الديموقراطي" ورئيسه النائب وليد جنبلاط، بدأت بمقبرة ولا نعلم أين ستنتهي؟
تعود الذكرى أليمة، وليست محبطة، كما يتصوّر البعض، لأني أعود إليك، إلى ما قلته سابقاً اثر التحالف الرباعي في انتخابات 2005، من ان الشعب هو 14 آذار، وان الشباب هم عماد هذه الحركة النضالية، وان إرادتهم أقوى من السياسيين، وحساباتهم، وربما صفقاتهم.
لذا أجدني اليوم جامدة. نعم. ولكن غير متراجعة، وغير متخلفة عن اللحاق بركب المستقبل. فالمستقبل يصنعه أبناء الشهداء واصدقاء الشهداء ومحبو الشهداء. لن ينسى أنصار رفيق الحريري، ومحازبو بيار الجميل وانطوان غانم، وقرّاء جبران تويني وسمير قصير، واصدقاء وليد عيدو، ومحبو باسل فليحان، وعارفو فرنسوا الحاج ووسام عيد، وكل اصدقاء مروان حماده والياس المر ومي شدياق، وكل أفراد عائلات شهداء الظل الذين تناثروا أشلاء في الهنا والهناك. هؤلاء اذا ما اجتمعوا، فإنهم، مع عائلات آلاف شهداء الحرب اللبنانية، والحروب، حروب الآخرين على أرضنا، الى شهداء الجنوب الصامد، هؤلاء قادرون على رسم معالم جديدة للبنان، لأنهم أيقنوا معنى الشهادة، وذاقوا معنى الألم، ولم يعودوا مستعدين للتنازل بعدما بذلوا الغالي والرخيص.
واني أتفهم تماماً موقف سعد الحريري وشعوره خلال زيارته المرتقبة الى دمشق كرئيس للحكومة، لأنه حتى لو ثبت عدم تورّط النظام هناك، فإنه لن ينسى محاولات العرقلة، وفي بعضها الاذلال الذي مورس على الرئيس الشهيد، كما على آخرين من رؤساء ووزراء ونواب ومسؤولين، ووسائل اعلام وغيرها.
نعم نريد ان نتطلّع الى المستقبل. ولكن أي مستقبل اذا لم يبنَ على منجزات الاستقلال الثاني الذي تحقق بانسحاب الاسرائيلي والسوري من الاراضي اللبنانية؟ أي مستقبل اذا لم يقدّر شهادات الناس؟ وأي مستقبل اذا لم يكن خالياً من أي سلاح غير شرعي؟ وأي مستقبل اذا لم تتحرر الارادة كاملة؟
المستقبل أمامنا، وهو ما سنبنيه معاً، بالنضال السياسي، والفكري والاجتماعي، لا بالسلاح، الذي مهما كان "مقدساً"، فإنه سيصير ميليشيوياً، عندما يتحوّل الى الداخل، للتقاتل، ولفرض الرأي والارادة والقرار، لأنه حينذاك سيعيد التاريخ دورته وسنجلب الخارج ليحتلنا مجدداً، وهذا ما لن نرضاه.
نايلة تويني
كاسك يا جبران...
للسنة الرابعة على التوالي أشرب نخبك يا جبران تويني.
أشرب نخب استشهادك المملوء دماء زكية والمجبول بالعنفوان والكرامة.
أستعرض وقفاتك البطولية في ساحة الحرية ومن على منبر البرلمان وعلى صفحات "النهار".
أستعيد خطاباتك ومقابلاتك وصوتك الهادر في وجه أعداء لبنان، وفي وجه المتاجرين به في الداخل، وفي وجه العملاء الصغار الصغار.
أهكذا يرحل الأبطال؟
أهكذا يهوي العمالقة؟
أهكذا تغادرنا في غفلة من الزمن ولبنان بأمسّ الحاجة إليك؟ أتتركنا ونحن في خضمّ "ثورة الأرز" التي أشعلت نارها مع زميلك الشهيد سمير قصير وبقية شهداء "انتفاضة الاستقلال"؟
لا.
جبران لم ترحل ولن تفعل.
أنت حاضر في ضميرنا ووجداننا.
أنت الصوت الصارخ في بريّة لبنان ومربعاته الأمنية وحاملي السلاح غير الشرعي وكل المتعاملين مع السوري الساعي دائما وأبدا الى قضم لبنان.
أنت باق في قلوبنا نستلهمك عند كل مفترق. نشحذ نار ثورتنا من غليان دمك في عروقنا.
ونعاهدك أن نبقى على وعدك وقسمك طالما بقيت قلوبنا تخفق وتنبض بحبّ لبنان.
جبران،
لن ننسى أن في يوم استشهادك ثمة من ظن أنه انتصر عليك وعلينا فشرب الكأس حتى الثمالة ظنا أنه انتقم منك وأسكتك. ولكنه بعد 4 أعوام يكتشف أنك لم تمت ولا يمكن أن تموت لأنك باق، باق، باق...
طوني أبي نجم
لا تستطيع الأيام والسنون تغييب جبران تويني وحضوره الساطع وصوته المدوّي، ولا تستطيع ان تحوِّله مجرَّد ذكرى، مجرَّد مناسبة، مجرد احتفال تكريمي ينتهي بانتهاء الكلمات وانسدال الستارة.
إنه هنا معنا. هنا دائماً. يتنقَّل بين المكاتب والطبقات والزملاء والزائرين، باسماً، مشجّعاً، مذكِّراً الجميع ان لـ"النهار" رسالة تتجاوز باهتماماتها حدود لبنان وقضاياه الى حدود العالم العربي وقضاياه، الى حدود الحرية في كل مكان، الى حدود الشعوب المناضلة دفاعاً وذوداً عن استقلالها وسيادتها.
إنه معنا، اليوم. غداً. وبعده. وبعد سنة وسنين.
هنا، لا يبارح المبنى الزجاجي الذي حاكه بيديه قطعة قطعة، وتابعه من الأساس حتى اكتملت حلته وانتشرت أسرة "النهار" بين طبقاته.
هنا، وسيبقى حاضراً في قلب "نهاره"، وقلوب النهاريين، يحثُّهم على المضيّ والإقدام في مسيرة الحرية والإباء، بشجاعة ومناعة وايمان.
وسيبقى في قلب لبنان العظيم، لبنانه الذي وهبه حبه الكبير، ولهفته، وشغفه، وأقسم له، وشهد واستشهد فداء عنه. وفي قلب كل لبناني يتطلَّع الى وطن سيد عزيز شامخ.
لا يمكن ان يتمَّ الاحتفال إن لم يتصدَّر جبراننا منبره وصفوفه، وإن لم تضج القاعة بدوي صوته الذي أجفل حتى الموت، وصانعي الموت، وأبناء الموت.
ها هو اليوم، ها هو يتابع تحضير مراسم الاحتفال بكل تفاصيله.
بل ها هو في مقدَّم الحضور، أول الواصلين، أول المتكلِّمين، أول المرددين "نقسم بالله العظيم، مسلمين ومسيحيين، أن نبقى موحدين، الى أبد الآبدين، دفاعاً عن لبنان العظيم".
ها هو جبران، جبراننا. وها نحن نتساءل، بحضوره المقيم فينا، ماذا يعني أن نكون أوفياء لـ"النهار" في ذكرى وارث آل تويني فيها أَباً عن جد؟
يعني أن نكون أوفياء للأوفياء، لحملة الرسالة والمشعل، للحقيقة والحريّة، للبنان الوطن والصيغة والنظام والديموقراطية المنزهة، للحداثة، للغة العربية والتراث العربي، ولحرّاس القيم والتقاليد الكتابيَّة، للمؤسَّسة التي اتسعت صفحاتها وأعمدتها وسطورها وكلماتها ومنشوراتها لكل الهموم الوطنيَّة والانسانية في هذه الأمة.
هذه العائلة النادرة، القريبة بفصولها من الحكايات والأساطير، القريبة برجالاتها وسيداتها من الينابيع الاولى للعطاء والتضحية والفداء.
جميعهم "استشهدوا"، في شكل أو في آخر، من جبران الجد المؤسٍّس الذي حمل همَّ العروبة وقضيتها التي كانت قضيته الاولى، حتى أُثقلت كاهله وانفجرت في قلبه ودماغه.
أما ذلك الجبل، ذلك الشهيد الحي، استاذنا غسان أطال الله عمره، فقد أعطى كل ما يملك. كل ما له. عقله، قلبه، خياله، ديناميكيته، ثقافته، شجاعته، رؤيويته الخلاَّقة، الى عشقه وهيامه ببيروت والقدس ورحاب العروبة الأصيلة التي ينتمي الى جذورها وتاريخها بكل وجدانه وعراقته.
في مثل هذا اليوم قبل أربع سنوات غادرنا الحبيب جبران على صهوة شهادة مدوّية وصلت دقَّات أجراسها الى أفياء القدس وحنوات فلسطين. حاملاً على كتف "نهاره" وعلى الكتف الأخرى لبنانه الذي جعله صلاة وحكاية للأجيال.
اليوم نجد أن مسؤوليتنا مضاعفة تجاه جبران الشهيد وجبران الجد، وتجاه ذلك الطود، ذلك الجبل، ذلك المعلم، تلك العلامة اللبنانيَّة الفريدة، معلمنا غسان، وتجاه "النهار" مدرستنا وبيتنا وعائلتنا التي انتقل مشعلها الى هذه الوردة الناصعة التي تقف صامدة ببسالة في وجه الرياح والعواصف.
لا تغرنَّكم فتوَّة نايلة جبران غسان جبران تويني، ولا يغرنَّكم هذا الضوء الذي يزقزق في وجهها وعينيها. فهي نايلتنا. وهي ربّانة هذه السفينة العريقة، المتخمة بالامجاد والأعباء والتضحيات والشهادات، وهي على قدر العزائم وقدر المسؤولية.
وعلى هذه الدرب، وفي هذا اليمّ التوينيّ الذي لا يعرف الهدوء ولا التعب، ستكمل نايلة المشوار.
"زيّان"
... حرفه لا يموت
وإن مات، حرفه حيٌّ لا يموت..
من غسل وجهه كل صباح بحرفٍ من أبجدية القضيّة الوطنية..
من زوّج قلمه للوطن، وأنجب منه كلمات الاستقلال والسيادة والحرّية..
من سكن فينا... إلى أبد الآبدين..
كلما حضر صوته، استعدّ قلمي للترحيب.. وكلما بدأت في ترتيب حروف اسمه، ارتعشت الذاكرة وزلزلت حنجرة قلم جبران التويني الأوراق.
تلك الحنجرة الوطنية التي كانت تضج بصرخة الحرّية معلنةً الحرب ضد الإرهاب الذي تعرض له وطننا الحبيب لسنوات وأخذ من بيننا أغلى الأحباب.
لم تكن تدري أن صرختها ملأت شرايينه حتى الاستشهاد..
وملأت أوردة الورق حبراً وطنيا حتى... الانفجار.
بكتكَ حروفٌ سقطت دمعتها غضباً عليهم وفخرا بك يوم سقوطهم في عليائك.
ظنّوا أنهم قتلوك لفرط جهلهم، ولم يعوا أن قلمك اخطبوط يحاصرهم حيثما كانوا.. ولا زالوا أغبى من فهمِ لغة الحرّية.
الحُرّ حرفٌ لا يخاف.. لا يُقهر.. لا يموت.
الهام ناصر
خواطر... مع جبران في رحلته الأخيرة
في الرحلة الاخيرة... كنا معا في باريس. وكانت المناسبة حضور حفل تقليد غسان تويني وسام جوقة الشرف الفرنسي من رتبة ضابط عرفانا بمسيرته وخدماته الجلى للعلاقات اللبنانية – الفرنسية. وفي الحفل ليل الجمعة 9 كانون الاول في مقر رئاسة الحكومة الفرنسية في شارع فارين في الدائرة السابعة من باريس، وقف رئيس الوزراء الفرنسي دومينيك دو فيلبان يلقي كلمة جمع فيها ادبا رفيعا بالكثير من العاطفة الشخصية التي تربط الرجلين المحبين للاداب و"الثقافة الانسيكولبيدية". وهناك في الصف الخلفي وقف جبران متابعا بشغف كبير كلمتي والده ودوفيلبان، وحمل في يده آلة تصوير اراد من خلالها ان يسجل تلك اللحظات المؤثرة والتي ما كانت إلا لتزيده فخرا واعتزازا بوالده، ذلك الرجل الكبير الكبير. وطوال الحفل التقط جبران صورا لكل من حوله، وكأني به يتابع مسارا بدأه وهو في سن الثامنة او التاسعة عندما التقط مصادفة صورة لحادث سير مروع على الطريق وهبّ مسرعا الى الجريدة ليعطي الفيلم ولينشر الخبر في اليوم التالي مع الصورة التي التقطها.
يوم الاحد 11 كانون الاول، كانت لنا زيارة لمي شدياق التي كانت طريحة الفراش في المستشفى المتخصص بعلاج ذوي الاصابات الخطرة خارج باريس. وكانت بين جبران ومي مودة وصداقة وتواصل. وتشاء المصادفات ونحن نعود مي مع سهام، ان يجري تسجيل لقطات من الزيارة بعدسة زميل لنا مصور من "ال بي سي" كان هناك بجانب مي. وكانت لحظات مؤثرة فعلا، لأنها آخر مشاهد حية التقطت لجبران تويني قبل استشهاده صبيحة اليوم التالي. ولعل اهم ما في زيارة مي، ان الاخيرة كانت تعاني في تلك الايام احباطا شديدا بسبب الآلام المبرحة التي سببتها الجراحات المتتالية التي خضعت لها طوال الشهرين الفاصلين بين محاولة اغتيالها واغتيال جبران. وإنْ انس لا انسى ولا اظن مي تنسى كيف رفع جبران معنوياتها، وشد من همتها، وشجعها، وغمرها عاطفة وحنانا، وهي في ذروة الألم. لقد كان الحس الانساني والعاطفي في شخصية جبران مجهولا لدى الكثيرين، اما نحن فكنا نعرفه وندرك ان عاطفته تجاه محيطه العائلي او في دائرة الاصدقاء كانت تتفجر في الشدائد، وكان الرجل الحاد في مواقفه السياسية يتحول كتلة حنان والى حضن يتسع لاحزان محبيه واشجانهم.
لن اسرد الساعات الاخيرة في حياته، ولكني اتوقف قليلا عند نظرة جبران في المرحلة التي سقط فيها، ولم يقل فيها الكثير.
كان جبران في تلك المرحلة المفصلية من تاريخ لبنان منخرطا في معركة الاستقلال والسيادة ركنا اساسيا من اركان ثورة الارز، وكان يعرف انه على رأس لائحة الاهداف للتصفية الجسدية. ولم تساوره لحظة شك في هوية الجهة الفاعلة. وكان مقتنعا بوجود رابط بين اول محاولة اغتيال في الاول من تشرين الاول 2004 التي استهدفت مروان حماده، واغتيال الرئيس رفيق الحريري وصولا الى آخر محاولة قبل استشهاده اي محاولة اغتيال مي شدياق في 25 تشرين ايلول 2005. وفي تلك الفترة كانت المعلومات الواردة من مصادر عربية واوروبية تشير الى ان الحكم في سوريا بدا يفقد توازنه بسبب الضغط الدولي والعربي الذي تعرض له في اعقاب اغتيال الرئيس الحريري واشتعال ثورة الارز في لبنان. في هذا المجال كان جبران تويني انضم الى المؤمنين، أسوة بزميله سمير قصير الذي سبقه الى الشهادة، بأن الديموقراطية لن تزهر حقيقة في لبنان ما لم تزهر في سوريا، وبأن ربيع بيروت لن يكون ما لم يكن ربيع العرب. في هذا الشأن انتقل جبران من موقف اللامبالي بما يحصل وراء الحدود، الى موقف الناظر بتمعن والمتابع بدقة بالغة لمآل التحولات التغييرية التي كانت تلوح في الاجواء السورية.
هذا لم يكن يعني ان جبران تويني ايد التدخل في الشأن السوري الداخلي. ولكنه ادرك ان لبنان لن يكون في مأمن من اطماع الجار المتعب ما لم يحصل تغيير جوهري في الذهنية السائدة على مستوى الحكم. وقد دلت التطورات اللاحقة ان شيئا لم يتغير الى اليوم، ولن يتغير. ولعل ابلغ الدلائل الاستنابات القضائية السورية التي يحاول حكام دمشق من خلالها فرض خريطة سياسية جديدة في البلاد، وذلك على مسافة ايام من زيارة رئيس الحكومة نجل رفيق الحريري. ومن المفيد ان يدرك هؤلاء الحكام ان الزيارة لن تلغي يقيناً بهوية الجهة التي ارتكبت هذا الكم من الجرائم السياسية في حق اركان الثورة الاستقلالية في لبنان.
سقط جسد جبران تويني على درب الاستقلال، كما سقطت قبله وبعده اجساد استقلاليين كبار. واليوم يحاولون اغتيالات من صنف آخر: الاغتيال السياسي والمعنوي. فحذار يا ابناء ثورة الارز ان تتراخوا، وحذار يا قادة ثورة الارز في اي موقع صرتم ان تديروا ظهوركم، او ان تدفنوا رؤوسكم في الرمال.
علي حماده