لقد وقعنا في الفخ ..
اليوم 19 نوفمبر مرت تسعة أشهر كاملة على جمعة النصر (18 فبراير) التي و بعد إنتهاء فعالياتها إطمئن أعضاء المجلس العسكري - المعين - و صافحوا بعضهم و تبادلوا التهنئة و وضعوا في كروشهم - المليئة فسادا - بطيخة صيفي أن الشعب قد إقتنع بنجاح ثورته و وضع ثقته في المجلس و كلل هذا بالهتاف الشهير الجيش و الشعب إيد واحدة.
لقد وقعنا في الفخ من البداية من يوم 11 فبراير .. لماذا ؟ من وجهة نظري بإختصار في النقاط التالية:
1- خطاب عمر سليمان و الإنسحاب من التحرير :
حين ظهر على الشاشة عمر سليمان - و الراجل اللي وراه - و ألقى بيان التنحي عمّت الفرحة جميع الوطنيين و عميت بصائرنا أيضا حين غفلنا عن النصف الثاني من البيان حين قال " و كلّف - أي المخلوع - المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد " و اليوم فقط سئلت نفسي لماذا قبلنا من شخص خلعتاه أن يقرر و يكلّف .. شخص مخلوع لا يجب أن يتخذ القرار الذي سيحدد مرحلة مصر الإنتقالية و هو الذي فشل في إدارة مصر لثلاثة عقود .. لماذا إنسحب الثوار من الميدان يومها و قبلنا أن تكون مصر في يد مجلس عينه مبارك فردا فردا و يرأسه وزير دفاع حافظ على مكانه لعشرين عام و فاسد كمبارك لا يعطي الثقة لشخص ليكون وزير دفاع لعشرين عاما إلا و كان فاسدا مثله .. لماذا رجع الناس إلى بيوتهم و عادوا في جمعة النصر - كان يجب أن يستمر الإعتصام و يرضخ المجلس لقرار الثوار بوجود مجلس رئاسي مدني يشارك العسكر في إتخاذ القرارات و لكن كان ما كان و وقعنا في الفخّ.
2- ماسبيرو :
أغرب من الخيال ما حدث بعد ذلك .. التلفزيون الرسمي الذي ضلّل نصف مصر و تحدى ببجاحة كل الفضائيات و أصرّ حتى آخر لحظات المخلوع متهما للثوار بالبلطجة إستمر حتى اليوم على عهده عبدا للسلطة و لم تفلح الثورة في تطهيره .. بل أكثر من ذلك فنفس مذيعي الأخبار في أيام الثوار ما زالوا يذيعونها حتى الآن و يكرروا نفس الإتهامات و الثورة تقف مكتوفة الايدي لا تستطيع تطهيرا و لا تدبيرا أمام جناح الدولة الباطش بعقول العوام من الناس و حدث و لا حرج من أول إستفتاء مارس المشبوه و مرورا بأحداث ماسبيروا و نهاية بأحداث اليوم عن إستمراره في عهره السياسي لصالح النظام و ما زالت الثورة مكتوفة الأيدي أمامه و وقعنا في الفخّ.
3- الداخلية .. بلطجية
الداخلية إتكسرت .. حالتهم صعبة .. نفسيتهم مدمرة .. هكذا إنبرى وزير الداخلية و بعض مهادني المجلس العسكري في وصف حال ذراع البلطجة الرسمي للنظام في مصر .. إنفلت الأمن و في أكثر من مناسبة على مرّ 9 أشهر مارست الداخلية البلطجة و التصعيد ضد الشعب و التجاوزات و التخلي عن مسئولياتهم و ترك البلطجية على الشعب .. و لم يفلح رئيس الوزراء الحاضر الغائب في كل المشاهد أن يتخذ قرارا رجوليا بتطهير جهاز بوليسي فاسد من وزيره لعساكره و في ظل حالة الإقتصاد الصعبة في البلاد تم تزويد الجهاز بأنواع جديدة من الغازات المسيلة للدموع أكثر فتكا من تلك التي كانت ايام الثورة و أدوات فضّ التظاهر و اليوم يبدوا أن الداخلية قد إستعادت عافيتها ليس على حفظ الأمن لكن قدرتها على البطش و التعدي ببجاحة وكأنهم يتلقوا أوامرهم من حبيب العادلي .. عادت الشرطة كما كانت و وقعنا في الفخ.
4- الإستفتاء و صراع الايدولوجيات
مصر التي إتحدت كلها ضد عبث مبارك و نجحوا في خلعه و إسقاط حكمه و - ليس نظامه - و بعد مرور شهر واحد على جمعة النصر - الوهمي - إستطاع المجلس العسكري و بخبث شديد أن يفجر الصراع الذي يعلم بوجوده بطرحه إستفتاء 19 مارس .. الصراع بين الأيدلوجيات في مصر كان سيحدث عاجلا أم آجلا و لكن المجلس عجّل به لأنه لا يطيق ان يتحد الشعب أكثر من ذلك لأن إتحادا كهذا و تلاحم كان سيطال - بلا شك - مجلسهم الموقر الفاسد و لكنه طرح الإستفتاء و بإستخدام الآلة الإعلامية الفاسدة و فلول النظام فجرّوا الصراع الفكري بين الإسلاميين و الليبراليين و اليمين و اليسار و الشرق و الغرب و وسط هذا الصراع إستفتى المجلس الشعب على 6 بنود مررّ من خلالها إعلان دستوري تجاوز الـ 60 مادة و أطلق شرارة النزاع الأيدلوجي الذي عانينا منه على مدار الأشهر الماضية و إستخدمته قوى الثورة المضادة في تفجير قضايا مثل أطفيح و إمبابة التي زادت الإنقسام إنقساما و وسط هذه الظروف إستطاع المجلس أن يحيد القوى الرئيسية و ضاعت أفكار نشطاء الثورة الاصليين بين إختلافات القوى السياسية و ضاعت معها همّت الشعب و أصيب العوام بالإحباط و وقعنا في الفخ.
5- التباطؤ و التواطؤ و صبر أيوب.
ثورة قامت ضد نظام بوليسي قمعي بلطجي .. تم تنحية الرئيس و خلعه .. تم القبض على أبناءه بتهم فساد مدعومة بالأدلة .. تم توجيه الإتهامات بقتل المتظاهرين إلى قيادات في الداخلية .. شيء عظيم جدا .. و لكن الأعظم منه هو التباطؤ المتعمد و الإحترافي جدا من قبل القضاء في تعطيل القضية و إهدار الوقت و تمييع الأمور حتى اصبح مبارك بظلمه بريء حتى تثبت إدانته و يدخل القاعه متبجحا نائما على سرير وثير منتفخه أوداجه و بيلعب في مناخيره .. حتى هذا المشهد إستكتروه علينا و أوقفوا بث المحاكمات ثم تم تأجيل القضية و الآن يبدوا أن القاضي سيتم تنحيته و نعود لنقطة الصفر في القضية و أمهات الشهداء لم تجف دموعهن و نحن مراراتنا ستنفجر من شهادة المشير طنطاوي .. ليس هذا فقط بل أن معظم المتهمين من الداخلية ما زالوا في أماكنهم بل و تمت ترقية بعضهم و هم رهن المحاكمة و يستعدوا للحصول على البراءات كل هذا و الشعب يتحلى بصبر أيوب غير مبرر بالمرة و تم فرض إرادة قانون باطل وضعه مبارك و مجلس باطل عينه مبارك على ثورة كاملة و وقعنا في الفخ.
6- فشل المجلس العسكري المتعمد و الممارسات القمعية:
تعمد المجلس العسكري الفشل في إدارة الأزمات الإقتصادية و الأمنية في البلاد حتى أن العوام تعلقوا بالمجلس كأنه المنقذ الوحيد - رغم فشله - و لعنوا الثورة و أيامها و لم يتوقف على ذلك بل و مارس قمع تجاوز أو كاد ما كان يفعله مبارك من سجن و اعتقالات و محاكمات للنشطاء ، المجلس و الحكومة العاجزة فشلوا في إدارة أزمات كثيرة تجدونها في هذا الموضوع مفصلة (
هنـــا ) و أزمات أخرى كثيرة على رأسها الملف الأمني الذي تتقاعس الداخلية في حله بل تزيد تأججه ثم الأدهى مدّ العمل بقانون الطوارئ و ضرب بإستفتاء مارس عرض الحائط و المماطلة في تسليم السلطة و الفشل متعمدا في منع الفلول من الترشح للإنتخابات و الطامة الكبرى المحاكمات العسكرية التي طالت القاصي و الداني و تلفيق التهم و قضية علاء عبدالفتاح الملفقة أبسط مثال ، و وقعنا في الفخ.
هناك أسباب أخرى و لكن الأفكار تهرب من راسي ، وقعنا في الفخ و لا مجال للخروج منه إلا بفرض إرادة الثورة فالمؤسسة العسكرية لا تعرف التفاوض و لا تقبله بطبيعتها العسكرية ، يجب تعيين حكومة ثورية بها رجال و ليس أذلاء تابعين ، يجب إجراء إنتخابات رئاسية في منتصف 2012 ، يجب أن تصدر القرارات التي تحدد مستقبل مصر من الميدان يجب ألا يحدث إنقلاب ناعم على السلطة من قبل الجيش.
الثورة في الشارع .. و المجد للشهداء .. و لا نامت أعين الجبناء
مصطفى ابوزيد | 19 نوفمبر 2011