سُلط الضوء كثيرا في الفترة السابقة على بعض التهم التي وُجهت إلى الدعاة فمنها أنهم يدعون إلى استعباد الناس .. وأنهم يأمرون وينهون الناس على حسب أهوائهم وأن الدافع في ذلك هو حب السيطرة وحب السلطة .. وأنهم يستخفون بعقول الناس متخذين الدين سببا لذلك ... وأن الإصلاحيين الإسلاميين ليس لهم غرضا إلا الوصول إلى السلطة فقط
ففي هذه الأسطر القليلة أردت أن أناقش هذه المسألة بحيادية تامة .. بعيدا عن إفراط المخالفين وعن غلو المؤيدين
حكم الإسلام في الطاعة العمياء للعلماء
بعث النبي صلى الله عليه وسلم في زمن خلى فيه تقريبا من أناس يعبدون الله على حق إلا بقية من أهل الكتاب الحق تناثروا هنا وهناك لا تكاد تسمع لهم حس ولا صوت .. وكان الأغلبية العظمى من سكان الأرض إما من عبدة الأوثان أو أتباع الكهان من اليهود النصارى .. بل أقول عبدة الكهان .. وهذا الوصف ليس وصفي أنا بل هو وصف الله تعالى لهم .. يقول الله عز وجل " اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ " لما بلغت هذه الآية مسامع عدي بن حاتم الطائي وكان نصراني قبل إسلامه قال إنهم لم يعبدوهم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " بَلَى إِنَّهُمْ حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ الْحَلَال وَأَحَلُّوا لَهُمْ الْحَرَام فَاتَّبَعُوهُمْ فَذَلِكَ عِبَادَتهمْ إِيَّاهُمْ " .. فحكم الدين في من يتبع أي أحد مهما بلغت منزلته الدينية أو الدنيوية أتباع أعمى في تحليل الحرام وتحريم الحلال دون وحي من الله تعالى إنما هو في نظر الشرع رب ومن وافقه واتبعه على هذا الأمر هو إنما يعبد هذا الرب ... فهذا هو اعتقاد المسلمين .. لا يوجد مشرع ولا حاكم إلا الله تعالى هو وحده الذي بيده التدبير والحكم والأمر والنهي وما دونه من البشر وحتى الملائكة إنما هم مربوبون ليس لهم أدنى حق في هذا الأمر
الكنيسة في العصور الوسطى
أضاف القساوسة والرهبان إلى أنفسهم قداسة خاصة فأشركوا أنفسهم في الأمر والنهي مع الله تعالى .. فصاروا يشرعون للناس شرائع ما أتى الله بها من سلطان .. وازدادت هذه القداسة يوما عن يوم فإذا كان حالهم في زمن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم هو تبديل شرع الله إلا أنه وبمرور الزمن وبفضل تناسب قداسة الكهان مع الزمن تناسب طردي بلغت هذه القداسة إلى أن صار الكهان هم المسيطرون الحقيقيون للدولة وهم الحكام الأصليون .. فالحاكم لا يجترئ أن يخطوا خطوة دون الرجوع إلى القساوسة حتى وصل الأمر أنهم وبسبب تبنيهم لمجموعة من النظريات العلمية التي أصبحت بمرور الزمن ضمن دينهم المحرف عندما وجد علماء وأثبتوا ما يتصادم مع هذه النظريات الكنائسية كشر هؤلاء القساوسة عن أنيابهم ... فبات التصادم بين الكنيسة وبين معطيات الحياة واضح وظاهر وأصبح التبرئ والبعد عن الحكم الكنسي أمر لابد منه لعظم الفجوة بين الكنيسة وبين شؤون الحياة .. ووجب فصل الدين عن الدولة وخرجت الشعارات " دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله " .. لمزيد من المعلومات راجع "العلمانية أين قامت ومبررات وجودها ؟" للأخ الحبيب الفاتح الجعفري
دور علماء المسلمين
منذ بزوغ شمس النبوة ودعوة الإسلام تنتشر هنا وهناك بفضل دعوة النبي صلى الله عليه وسلم للخلق .. وعندما قبض النبي صلى الله عليه وسلم وخرجت روحه الطيبة الطاهرة إلى الرفيق الأعلى .. ترك ميراثا وافر تناقلته الأجيال ولا تزال تتناقله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .. هذا الميراث الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه في قوله " إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهما وإنما ورثوا العلم " فهذا هو ميراث النبوة .. وقد سعى الورثة إلى أن يحافظوا على هذه التركة على قدر استطاعتهم .. فدور الدعاة في الحقيقة هو تبيين طريق الهدى للناس وإرشادهم إلى مواضع مرضاة الله تعالى .. فلم نسمع داعي يدعوا الناس كما دعا كهان اليهود والنصارى معبوديهم إلى تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله .. بل إن وظيفتهم هو تبيان معالم الطريق كل على حسب جهده واجتهاده
علماء المسلمين ليسوا كأرباب أهل الكتاب
فبفهمنا لفكرة استخفاف الكهان بعقول الناس .. ولنقطة وظيفة ومهنة الدعاة إلى الله .. نعلم بُعد التشابه بين هؤلاء وهؤلاء .. فهؤلاء غرضهم الدنيا وهؤلاء غرضهم الآخرة .. هؤلاء يجتهدون في إضلال الناس عن طريق الله و هؤلاء يجتهدون في تعليم الناس الطريق إلى الله .. هؤلاء كلامهم وأوامرهم بشرية ليس لها نور من الله وهؤلاء كلامهم مشبع بنور وجلال وبهاء لأجل ما يحملوه من كلام الله تعالى .. فأين هذا التشابه بينهم ؟؟؟ .. فالدعاة على هذا الوضع لا يمكن أبدا أن يكونوا أربابا من دون الله .. فوظيفتهم هو تعبيد الناس لله تعالى لا أن يعبدوا الناس لأنفسهم .. شعارهم " قل لا أسألكم عليه أجرا " ... وإن حاد أحد منهم عن الطريق فالله تعالى كفيل أن يفضحه وأن يذله على مرأى ومسمع من جميع الخلائق .. ففي النهاية أذكر أن الله تكفل بحفظ هذا الدين .. فلا يمكن أبدا أن يحرفه ضال ولا أن يغير شئ فيه وإن وجد محاولة من أحد فهو مفضوح وخاسر لا محالة .. فلم التطاول على الدعاة ووصفهم بأنهم يغيرون أحكام الدين ؟؟؟ .. ولم التقليل من شأنهم ؟؟؟ .. أليسوا هم ورثة الأنبياء ؟؟ .. فالحذر الحذر .. وليربأ كل مؤمن بنفسه عن هذا الأمر .. فنحن جميعا مجموعون أمام الله تعالى وسيحاسبنا جميعا على ما في قلوبنا .. وهو وحده القادر على هذا .. أما العبد فلن يستطيع أبدا أن يستخرج ما في قلوب الناس .. ولسنا مأمورون بالتنقيب في القلوب .. فإذا كان الدين محفوظ ... وإذا كان إحسان الظن بالمسلم فضلا عن العالم واجب .. وإذا كنا مأمورون بقبول النصيحة من أي كائن ما كان حتى لو كان فاجر .. وإذا كان العلماء لا يسألونا أجرا ... وإذا كان العلماء هم ورثة الأنبياء ... فلم بعد كل هذا نتطاول ونسئ الظن بالعلماء ؟؟؟؟؟ .. لم نظن أن الإصلاحيين الإسلاميين غرضهم السلطة ؟؟ .. هل نقبنا في قلوبهم لنعلم غرضهم ؟؟؟