مرة أخرى تطأ قدمي ذاك المكان الذي يضج ورداً وياسميناً، دارة الفنون بيت قديم برائحة عمّان الأخرى التي أحب، عمّان اللويبدة، وجبل عمان ووسط البلد، كان هناك أيضا آخرين مثلي – لكن ليس تماماً- فرغم انسداد شرايينهم وطرقهم في الحياة ما زال لديهم بعض الأمل ذاك الذي أفتقدته أو ما زلت أحاول التمسك به رغم تفلته، فهل أنا عجوز إلى هذا الحد؟
صاعداً ببطئ درجات الدارة، ثمة فتاة على أحدى الزوايا، جميلة، تحّركت وتحرّك شعرها، وكأي غبي يشعر بالوحدة ظللت صاعداً.
وهناك في زاوية أخرى قطة جميلة وودودة، في أول لقاء تركض نحوي، تداعب قدماي، في محاولة منها للفت الانتباه، ثم لا تلبث وان تركض مبتعدة عني و تختبىء.
أعود وأنزل ذات الدرج - درج اللاّياسمين- الدرج الذي لا زلت أحلم كل مرة أن ألتفي بفتاة تفاجئني عليه وتقبلني، أحاول أن أتاخر في صعوده ونزوله في كل مرة “خائفاً” أو “واثقاً” بأن لا فتاة هناك.
متى ستصبح هذه الحياة أجمل؟! متى سأبتسم لها من كل قلبي كما أحاول كل صباح؟!…
ثم يبدأ يوم من اللا ابتسام، أصحو فيه من نومي عاقداً العزم على أن أكون سعيداً، بعد محاولات عديدة بأن أنام تنتهي بكوابيس لا أذكرها تماماً عندما أصحو من النوم، يبدو أن أهم مرتكزات عدم القلق هو ألاّ أفكّر بأي شيء، لا أدري هل عقلي الباطن لديه تلك القدرة العظيمة على الرغبة بالفرح، ولكن عقلي الذي أستعمله لا يمنحه تلك الفرصة، هذا العقل “المريض بالذاكرة التي تجرح”.
ليس لي من الأصدقاء الكثير في عمان، هو صديق شبه فريد من نوعه، الأقرب إلى القلب، وهذه الأيام الأبعد عن العين، يا عزيزي كما قلت لك عندما اتصلت بك، اشتمني ولكن اتصل بي، دعني أتضايق من مزاحك الزائد.
وأصدقاء آخرون يملؤون كل مساحات الذاكرة، ولكنهم قليلاً ما يسألون عنّي، هل من الصعب فعلاً على أي أحد أن يصدّق أن هناك “إنساناً” يشتاقه لهذه الدرجة، ويحب أن يكلمه ويفعل ذلك كلّما استطاع، ليحسّ بنوع من الفرح إن لجأ إليه صديق في لحظة حزن، أو تذكّره في لحظة فرح، ربما هذا صعب جداً، ربما لا أكون في ذاكرتهم كما كنت أظن نفسي.
متى ستصبح هذه الحياة أجمل؟ ولكن ما هو تعريف الجمال – ربما يكون سقوط الياسمين - رائحة الأرض بعد المطر – أو ربما يكون الجمال كما يقولون “هو مجرد حركة تَشِي بقيمة ما”.
متى ستصبح هذه الحياة أجمل ؟
بالنسبة لي على الأقل عندما أنتقل أنا من الإعجاب بالبطولات إلى القيام بها، عندما أتوقف عن الإعجاب بجسارات العشاق لأقوم أنا بها، تلك القطة الجميلة ربما تكون رأتني ليلتها وعيناي يلتقيان بعيني صبية لم تستطع عيوننا أن تنفك عن بعضهما بسهولة، ولكن الحكاية توقفت عند تلك اللحظة، لست أستحق محبة أي أنثى إن لم أكن قادراً على الإفصاح عنها، تبّاً حتى القطة لا يمكنها أن تبادر وحدها إن لم أكن أنا جسوراً ومبادراً ولا مبالٍ بالنتائج، أعترف أنني حتى هنا، كنت جباناً بعض الشيء، وهناك ما لم أصرّح به.
وحيداً وحزيناً أنا هنا، على ارصفة بلا مستقبلين وياسمين …
كل يوم حب وأنتم بخير
