الخميس، 20 نوفمبر 2008

وطن ...

" ما هو الوطن...؟؟!"

كنت صغيراً عندها .. ومازلت أبحث عن إجابة شافية عن مفهوم الوطن.. كي أستطيع أن أرى إذا كان الوطن الذي يتحدث عنه الجميع  يشبه الوطن الذي في مخيلتي..

***

"ما هي الحرية التي ندافع عنها ونحلم بها؟"

هل من الممكن أن يكون لها تعريف ما.. فالكل يدافع ويطالب بالحرية .. وهنا أقف طويلاً وأنا أسأل نفسي هل يحلمون جميعهم بالحرية نفسها..؟؟

هي لعبة المفاهيم إذن .. فهي بسيطة جداً لدرجة لا يمكن التعبير عنها إلا بها ..

فإذا بادرت أحدهم بسؤال مباغت .. "ما هو الوطن..؟؟" سيكون الجواب الأكثر ذكاء لاشك في هذه الحالة " حسناً دعني أقول لك أن الوطن هو الوطن... لا أستطيع أن أقول أكثر من ذلك..!"

 ***

فمنذ نعومة أظافرنا تعلمنا حب الوطن، تعلمنا أن الوطن هو أهم شيء في الحياة، تعلمنا أن هناك من يقدمون أرواحهم فداءً للوطن !!

وعندما حاولوا أن يعرفوا لنا الوطن في المدارس... كان تعريفهم :

(الوطن: هو القطعة من الأرض التي يسكن عليها مجموعة من الناس وتنشأ فيما بينهم علاقات اجتماعية و...)

لم أشعر بالانتماء حينها.. أحسست أنه وطن آخر ندرس عنه في الكتاب لا أكثر..

***

ماذا إذا سألنا السؤال بصيغة مغايرة "ما هو وطني ؟؟"

هل تغير المعنى؟؟ أعتقد أنه تغير بصورة كاملة .. فـ "وطني" تعني الوطن الذي يخصني، وهو غير وطنك وغير وطنه وغير أوطان الآخرين... وهنا تكون الإجابة عن السؤال هو "فكرة" أو بمعنى آخر ما يرتسم في مخيلتي عندما يقال أمامي "وطن" كأن يكون الوطن هو قهوة الأم في الصباح أو زاوية صغيرة في غرفتي ..   

لا أدري حاولت كثيراً أن أبحث عن الوطن الذي حدثونا عنه في الكتاب.. ربما وجدت واحداً..

ولكن عندما أجد أن هناك من يموت فداءً للوطن يخطر لي أنه هل من الممكن أن يكون الوطن هو الأرض؟؟

الأرض التي ولدت عليها و تنفست من هوائها؟؟

ولكن ماذا عن فلسطينيي الشتات فهؤلاء ولدوا في أماكن أخرى في التشرد ولم تطأ قدمهم فلسطين ولا حتى في الحلم .. لكن تبقى روحهم معلقه هناك بين الألغام والمعابر .

فالجميع هنا كما أعتقد يدافع عن وطنه الخاص المنفصل تماماً عن أوطان الآخرين.. ومن هنا نخلص إلى أن "الوطن" هو الفكرة التي نتخيلها عن الوطن..

و"الوطن" هو الوطن في أحلامنا وأذهاننا..

ليس ذاك الذي لقنونا إياه في الكتب.. ذاك الوطن كان شعاراً..!

***

لا أدري ..

ربما هي الصدفة من قررت أن نأتي في وطن معين... أو في أرض معينة...

عندها ستكون هي الصدفة التي قررت أن نحب هذا الوطن..

نحن إذاً لم نختر هذا الحب..؟؟

فلو أن فيروز لم تأت في لبنان.. ترى ماذا كانت ستغني بدلاً عن " بحبك يا لبنان" ؟!

ولو أن الماغوط لم يأت في سوريا ترى هل كان سيخون وطنه في كتاب؟!

ترى إذا شاءت الصدفة أن نكون في مكان ما .. فهل هذه الصدفة هي المسؤولة عن شعورنا بالانتماء إلى هذا المكان..؟؟

وهل يكون الانتماء صحيحاً واختيارياً في هذه الحالة؟

ترى هل سنصل إلى يوم ما نستطيع فيه أن نختار وطننا؟

لا أدري إن كانت كل هذه عبارة عن تساؤلات بلا جدوى.. ففي النهاية عندما أقف على حافة ذلك الشاطئ الرملي الضيق.. عند المياه شديدة الملوحة والمغرقة في القدم وأنظر إلى ما وراء الجبال الشامخة المصطفة عند ضفته الأخرى وأتنفس هذا الهواء القادم من عندها أقول هذا هو "وطني" الذي أحب ولا شيء آخر...

***

ربما نحن لا نشعر بانتمائنا إلا عندما نوشك أن نخسر الوطن...

هل يمكننا أن نتساءل من هم أكثر الناس تعلقاً وحديثاً عن الوطن..؟؟

المنفيّ؟ من تم انتزاع الوطن منه ؟ المهجّر؟ الفلسطيني ؟

نعم... يبدو أن هؤلاء هم من اختارهم القدر ومنّ عليهم بالإحساس بنعمة الوطن أكثر من البقية...

حيث يعود الوطن هنا ليأخذ طابع الحلم.. أو ربما يكون الأمان الذي نفتقد..

أو ربما...

يكبر مفهوم الوطن كلما اشتدت وحدتنا....!!!