ولدوا و كبروا، وبينهم وبين بحرهم مانع بعمر ابائهم، أو أكثر.
الاحتلال!
ولمن لا يعرف تحديداً ما هو الاحتلال على الأرض، سأحاول أن أُعرف: هو بوارج تآخي الماء حتى تحسبها من مكوناته الطبيعية ، قناصة يتصيدون أي حراك خشية أن يباغتهم كلب بعواء فيتقيأون دم عروقهم، دبابات مجنزرة بالحقد، أحدث آليات الهدم، طائرات تكسر كل سكون، وآخر ابتكارات مصانع أسلحة الهمجية العالمية.
هذا هو الوصف الأكثر بدائية، ولو توغلنا في نفوس أهلنا الذين عاشوا الاحتلال، لوجدنا صف الكلمات أعلاه أكثر من تافهة وقليلة.
أهلنا الذين كبروا مع احتلال كان مع كل يوم من عمرهم يهرم على وقع تصميمهم على الحياة بكرامة.
كبروا بين انتفاضتين، من بقي منهم!
فكثر ابتلعتهم فلسطين على حساب حريتها الموعودة في احد الانتفاضتين، أو بينهما.
كبروا بالهم و التعب و الشقاء، ولكنهم كبروا.
ليس ككل من يكبر بجوار موج.
لا طبعاً، فهم فلسطينيون، وهم فلسطينيون تحت الاحتلال.
وان تكون فلسطينياً فتلك حكاية، وأن تكون فلسطينياً تحت الاحتلال، فهذه حكايات اخرى.
وفي لحظة كِبر، انكشف لفلسطينيين ما عادوا تحت الاحتلال بحرهم.
أقترب موجه وعلا فخراً، أتاهم حتى اطراف اسرتهم، تسلل تحت شراشف الطاولات و داعب تراخي الاصابع الغافية.
هذا البحر!
هذا بحرنا!
بدا بديهياً ان يتلمسوا ماءه_ وصدقوني، ملمس الماء حنون و هانئ كجنين متلفح بسوائل الرحم_ واللمسة أثارت اخرى، واللمسات تجمعت بكثافة و بسرعة فصارت عناقاً .
عناقاً حراً جميلاً كالولوج في طراوة النشوة. كلعق أثار العسل عن طرف الشفة.
عناقاً لا يشبه الاه: الركون الى متن الماء، ألم يُجعل منه كل شيء حي؟
ركن من سبق من فلسطينيي اللحظات الأولى ما بعد الاحتلال إلى ماء بحرهم.
ولكن الفلسطينيين لا تشملهم اي بداهة !
فالبديهي، وكما يحدث مع كل من كبر مع البحر: نركن إلى الماء الذي جُعلت منه الحياة، فيحملنا و يحضننا و يمنحنا أحاسيس رائعة نشتهيها كل لحظة في الحياة.
ولكن الفلسطينيين لا بدهات عندهم، ولا لهم، ولو بعد الاحتلال!
مدوا للماء روحهم المنطلقة تواً من ادعاءات السلام.
مدوها بغبطة الحرية.
بلى، كانوا سريعين كعصفور أنطلق للتو كسهم مصوب هرباً من قفص "كسر جناحاتو".
كانوا أسرع من ان يفهم الموج كيمياء حبهم المباغت.
تفاجئ البحر!
أهم ناسه حقاً؟
أهم يتنشقون الحرية التي لم يتأكد بعد أن من حق موجه و مخلوقاته أن تدعيها؟
أهم آتين اليه بكل هذا الفرح كما الاطفال على متن موجة؟
والبحر سأل: أحقاً يا رمل ستباركني دعساتهم؟
وقبل أن يستشعر وقع أقدامهم، كانت أجسادهم تشقه، تلهو بموجه، تقبل ملحه و تحرق العيون به جيداً حد الدمع فرحاً، ولا إدعاء للانتقاص من كرامة الرجولة.
فالحرية هي كرامة الانسان الوحيدة المضيئة!
وفي هذه الحرية الغامرة.
أحتار البحر، وأنهبلت أمواجه.
صهلت بالسعادة المنتظرة، وشهق بعض فلسطينيي اللحظات الاولى في عشق البحر الدهشة.
هم ما غرقوا.
لا!
لا يأكل البحر أحبته.
لااااااااااااااا
بل هو يمنحهم ميتات ولا أروع.
ياااااااه يا بحر!
أخذتني الحكاية 25 سنة لأقرر أي ميتة أتمنى، وأنا كبرت منذ صرختي الأولى معك.
أريد هذه الميتة يا ماءك.
أريد أن أنعتق مني بأن أمارس مع موجك عشقي للحرية.
وسننتشي فرحاً.
أنا بميتة مكررة لمن سبقوني الى أسرارك، وأنت بعشقي المتقتل مع كل طريقة مغايرة للموت الا على مرمى حفنة رمل، وحكاية لا تشملها البداهة!
هي حكاية حرية فلسطينية.. لم تنتهِ بعد، قل للشواطئ و لكل من سيكبروا بعد:
" لقد بدأت للتو"